عد تفكيرٍ عميقٍ من سادات قريش؛ لإيجادِ طريقةٍ لحلِ هذه المشكلة ، أتّجهَ سادات القوم إلى طريق المفاوضات مع صاحب المنعةِ والقوة والمسؤول الأكبر عن النبي ( أبي طالب) ، ولكن بأسلوب حكيم وجدّي، ومع نوع من التحدّي وفشل خطَّة المشركين لاغتيال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
بعد أن مُنيت قريش بالفشل في منع الصَّحابة رضي الله عنهم من الهجرة إلى المدينة على الرَّغم من أساليبها الشَّنيعة، والقبيحة، فقد أدركت قريش خطورة الموقف، وخافوا على مصالحهم الاقتصاديَّة، وكيانهم الاجتماعيِّ القائم بين قبائل العرب؛ لذلك اجتمعت قيادة قريش في دار النَّدوة للتشاور في أمر القضاء على قائد الدَّعوة، وقد تحدَّث ابن عباس في تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الآنفال: 30]
فقال: تشاورت قريش ليلةً بمكَّة، فقال بعضهم: إذا أصبح؛ فأثبتوه بالوُثُق [خبر اجتماع قريش: ذكره ابن هشام (2/124 – 126) وابن سعد (1/227 – 228) والبيهقي في دلائل النبوة (2/466 – 468) وأبو نعيم في دلائله (63 – 64) والطبري في تاريخه (2/372) والهيثمي في مجمع الزوائد (6/52 – 53)]، يريدون النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع اللهُ نبيَّه على ذلك، فبات عليٌّ على فراش النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم – تلك اللَّيلة [أحمد (10/348) وعبد الرزاق في المصنف (5/389) والطبري في تاريخه (2/372) ومجمع الزوائد (6/52 – 53)] . وخرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلـمَّا أصبحوا؛ ثاروا إليه، فلـمَّا رأوا عليّاً؛ ردَّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري! فاقتصُّوا أثره، فلـمَّا بلغوا الجبل؛ اختلط عليهم الأمر، فصعدوا الجبل، فمرُّوا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن ينسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاثاً.
قال سيِّد قطب – رحمه الله – في تفسيره للآيات الَّتي تتحدَّث عن مكر المشركين بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّه التَّذكير بما كان في مكَّة قبل تغيُّر الحال، وتبدلُّ الموقف، وإنَّه ليوحي بالثِّقة واليقين في المستقبل، كما ينبِّه إلى تدبير قدر الله، وحكمته فيما يقضي به ويأمر. ولقد كان المسلمون الَّذين يخاطَبون بهذا القرآن أوَّل مرَّةٍ يعرفون الحالين معرفة الَّذي عاش، ورأى، وذاق، وكان يكفي أن يذكَّروا بهذا الماضي القريب، وما كان فيه من خوفٍ، وقلقٍ في مواجهة الحاضر الواقع، وما فيه من أمنٍ، وطمأنينة، وما كان من تدبير المشركين، ومكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة ما صار إليه من غلبةٍ عليهم، لا مجرَّد النَّجاة منهم.
لقد كانوا يمكرون؛ ليوثقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبسوه حتَّى يموت؛ أو ليقتلوه، ويتخلَّصوا منه، أو ليخرجوه من مكَّة منفيّاً مطروداً، ولقد ائتمروا بهذا كلِّه، ثمَّ اختاروا قتله، على أنَّ يتولَّى ذلك المنكر فتيةٌ من القبائل جميعاً؛ ليتفرَّق دمه في القبائل، ويعجز بنو هاشم عن قتال العرب جميعاً، فيرضوا بالدِّية، وينتهي الأمر. إنَّها صورةٌ ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، وهي في الوقت ذاته صورةٌ مفزعةٌ؛ فأين هؤلاء البشر الضِّعاف المهازيل، من تلك القدرة القادرة، قدرة الله الجبَّار، القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، وهو بكلِّ شيءٍ محيط؟!.الإجبار والتهديدِ غير المباشر.
Lista de comentários
Réponse :
Explications :
موقف المشركين من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ←
عد تفكيرٍ عميقٍ من سادات قريش؛ لإيجادِ طريقةٍ لحلِ هذه المشكلة ، أتّجهَ سادات القوم إلى طريق المفاوضات مع صاحب المنعةِ والقوة والمسؤول الأكبر عن النبي ( أبي طالب) ، ولكن بأسلوب حكيم وجدّي، ومع نوع من التحدّي وفشل خطَّة المشركين لاغتيال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
بعد أن مُنيت قريش بالفشل في منع الصَّحابة رضي الله عنهم من الهجرة إلى المدينة على الرَّغم من أساليبها الشَّنيعة، والقبيحة، فقد أدركت قريش خطورة الموقف، وخافوا على مصالحهم الاقتصاديَّة، وكيانهم الاجتماعيِّ القائم بين قبائل العرب؛ لذلك اجتمعت قيادة قريش في دار النَّدوة للتشاور في أمر القضاء على قائد الدَّعوة، وقد تحدَّث ابن عباس في تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الآنفال: 30]
فقال: تشاورت قريش ليلةً بمكَّة، فقال بعضهم: إذا أصبح؛ فأثبتوه بالوُثُق [خبر اجتماع قريش: ذكره ابن هشام (2/124 – 126) وابن سعد (1/227 – 228) والبيهقي في دلائل النبوة (2/466 – 468) وأبو نعيم في دلائله (63 – 64) والطبري في تاريخه (2/372) والهيثمي في مجمع الزوائد (6/52 – 53)]، يريدون النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع اللهُ نبيَّه على ذلك، فبات عليٌّ على فراش النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم – تلك اللَّيلة [أحمد (10/348) وعبد الرزاق في المصنف (5/389) والطبري في تاريخه (2/372) ومجمع الزوائد (6/52 – 53)] . وخرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلـمَّا أصبحوا؛ ثاروا إليه، فلـمَّا رأوا عليّاً؛ ردَّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري! فاقتصُّوا أثره، فلـمَّا بلغوا الجبل؛ اختلط عليهم الأمر، فصعدوا الجبل، فمرُّوا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن ينسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاثاً.
قال سيِّد قطب – رحمه الله – في تفسيره للآيات الَّتي تتحدَّث عن مكر المشركين بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّه التَّذكير بما كان في مكَّة قبل تغيُّر الحال، وتبدلُّ الموقف، وإنَّه ليوحي بالثِّقة واليقين في المستقبل، كما ينبِّه إلى تدبير قدر الله، وحكمته فيما يقضي به ويأمر. ولقد كان المسلمون الَّذين يخاطَبون بهذا القرآن أوَّل مرَّةٍ يعرفون الحالين معرفة الَّذي عاش، ورأى، وذاق، وكان يكفي أن يذكَّروا بهذا الماضي القريب، وما كان فيه من خوفٍ، وقلقٍ في مواجهة الحاضر الواقع، وما فيه من أمنٍ، وطمأنينة، وما كان من تدبير المشركين، ومكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهة ما صار إليه من غلبةٍ عليهم، لا مجرَّد النَّجاة منهم.
لقد كانوا يمكرون؛ ليوثقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبسوه حتَّى يموت؛ أو ليقتلوه، ويتخلَّصوا منه، أو ليخرجوه من مكَّة منفيّاً مطروداً، ولقد ائتمروا بهذا كلِّه، ثمَّ اختاروا قتله، على أنَّ يتولَّى ذلك المنكر فتيةٌ من القبائل جميعاً؛ ليتفرَّق دمه في القبائل، ويعجز بنو هاشم عن قتال العرب جميعاً، فيرضوا بالدِّية، وينتهي الأمر. إنَّها صورةٌ ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، وهي في الوقت ذاته صورةٌ مفزعةٌ؛ فأين هؤلاء البشر الضِّعاف المهازيل، من تلك القدرة القادرة، قدرة الله الجبَّار، القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، وهو بكلِّ شيءٍ محيط؟!.الإجبار والتهديدِ غير المباشر.